31/10/2010 - 11:02

ما أن يهل أيلول../ راجي بطحيش

-

ما أن يهل أيلول../ راجي بطحيش
ما أن يهل أيلول (وعلى الرغم من الحر القاتل الأبدي الذي لا يبدو انه سينتهي يوما) حتى تبدأ الإذاعات ببث مقاطع من المسرحية المثولوجية "ميس الريم".. ويبدو أن معظم القرارات البثية هذه تنبع من سبب واحد وبسيط.. أن المسرحية تحوي على أغنية "آخر أيام الصيفية"...التي أضحت عنوانا لكل ما يمكنكم أن تتخيلوه ...برنامج بدائي في الفضائية المصرية أو الموريتانية.. اسم لمهرجان...عنوان لأمسية شعرية ركيكة... إعلان لمسحوق غسيل.. اعلان تصفية على مكيفات... "هابي آور" في بار ومقهى ومطعم... وغيرها...لكن قد تكون العلاقة أعمق من ذلك... أو ربما لا...

خرجت مسرحية "ميس الريم" إلى النور في ربيع العام 1975 على خشبة مسرح البيكاديلي في بيروت، وقد اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في العام وفي الفصل نفسه، وتحديدا في 13 نيسان 1975. وقد حاول الرحابنة إحياء العروض قدر الإمكان متحايلين على ما يحدث إلا أن تسارع الخراب كان أقوى من أي محاولة..

وهكذا فقد انتهت مرحلة مسرحية بهية مع نهاية أيام فيروز الصيفية في واقع المسرحية ذاتها... ومع أن المسرحية عرضت في معرض دمشق الدولي سنتها أو في السنة التالية إلا أنها اختفت... إلى أن أعاد التلفزيون الأردني إنتاجها وتصويرها في أستوديو مغلق بعدها بسنوات...

والطريف أن المسرحية لم تغب في هذه الأثناء على الأقل عن وجداني الطفولي ابن السادسة أو السابعة... ففي وسط العزلة شبه التامة عما كان يحدث في الوطن العربي في السبعينيات.. وعلى الصعيد الفني خاصة... كانت مدينة (وأعني هنا مدينة بحق لمن يحمل اعتقادا مغايرا) تدعى الناصرة... تحاول أن تقود ما تبقى من أشلاء فلسطينية وسط العتمة... فلا أعرف كيف كانت تصل شرائط مسرحيات فيروز والرحابنة إلى الدكان الأيقوناتي "أبو كاسترو" في ديانا.. وكيف كانت الأغاني والحوارات تنتشر بين الأشخاص.. رجال... نساء... أطفال... وكيف كنا نردد في ملاعبنا... "يا لور حبك...قد لوّع الفؤاد"... وكيف يتمكن أطفال من تبني حنين الفقدان والوحشة التي تتدفق كالأنهار من الأدبيات الرحبانية.. كطريق لحياة... وكيف استطاعت الرائدة زهيرة صباغ إعادة إنتاج وتدريب "ميس الريم" بأكملها وبديكوراتها وموسيقاها وحواراتها وأغانيها وحزنها مع أبطال لم يتجاوزوا بدايات مراهقتهم (المدرسة المعمدانية) ...لتشكل "ميس الريم" الإنطلاقة للطفلة آنذاك ريم بنا...

وبما أننا في الطفولة... فإن جملا فيروزية تقولها لجدتها مثل:
"ما بقى بكير يا ستي"...

أو جميع تلك الحوارات... التي تأتي لتزرع في وجدان شخص ما كل ما هو مشبع بالفقدان... والخسارة... وتفويت الفرص... وعبور القطارات.. وهو لا يزال طفلا...

تلك هي الوحشة الأيلولية التي لعقناها مع الغذاء الرحباني... وذاك هو الشعور الملاصق أبدا بالانقباض كلما هبت ريح خريفية من هناك... من ديار الفيروز

إيه ذاك الزمن الجوهري....

التعليقات